عمرو الدكروري

( كفكف دمعتك واستقم  )

الجمعة 29 يوليو 2022 -07:39

  سفينة الحياة ماضية بأهلها إلى غايتها، قانونها واحد لا يتغير، وسنتها واحدة لا تتبدل، ومهما زيف الأفاكون، وغالط المبطلون لن يغيروا مسيرها، ولن يحولوا تيارها، وإن كان كل فرد على ظهرها يستطيع أن يحدث من الغلط واللغط ما يشعر الناظر إليه أنه مؤثر في قانونها، أو مغير في طبيعتها، وذلك خطأ فادح، ووهم شنيع !!

      ستقدر على  تغير قانون الحياة متى قدرت على حجب شعاع الشمس، ورد ظلمة الليل، أو قدرت على إحياء ميت أو إماتة حي !!

    الشمس تصحوا ومعها فجر الحياة الساطع بنور ربه، تغسل الأطهار بشعاعها، وتدفئهم بحنانها، كأنها الأم الرؤم التي ينبض قلبها بنبض أبنائها، ويخفق صدرها بخفقان صدورهم، إنها نشيطة دؤوب لا لا تغيب ولا تكسب ولا تمل، توقظ أبناءها ليسعدوا معها بيوم جديد يملأونه بالكدح والنشاط، ويغمرونه بالجد والاجتهاد، أما النائمون الكسالى فهي تنكرهم، ولا تراهم، لأنهم محجوبون في غمغمات الموت المؤقت الذي يسمونه النوم، وماذا عساك تربح أيها الغر الكسول عندما تغمض جفونك وتدع ستر الغفلة يحجبك عن طلتها الجميلة عندما تولد رقيقة ناعمة كأنها أنفاس وليد عليه بصمات خالقه، تدنو منك لترفعك بقانون جمالها وجلالها إلى مقامها السني، فإذا كنت قد أخذت قسطك من الراحة فقم معها ملبيا نداءها، ومجيبا دعواها، وانطلق مع نهارها لتخط في كتاب حياتك سطرا جميلا تقرأه يوم تلقى كتابك بيميمنك، حروف كلمه من نشاط وعافية، وروح معانيه من عمل صالح ونية طيبة، ثم يمم وجهتك تلقاء ربك، الذي خلقك وسخر لك الكون كله وسودك عليه، فهل يليق أن يكون العصفور أنشط منك، والفراشة ألطف منك، والنملة أذكى منك، والنحلة أنفع منك ؟!!

     صلاحك في تجانس روحك مع نسق الحياة بجمالها ودقتها، وراحتك في صدقك وإخلاصك وتجردك ملبيا نداءات الحق المؤذنة بلسان مخلوقاتها في معبدها الممدود على ظهرها، وسعادتك في أداء رسالتك الجليلة المنوطة بعنقك على الوجه الذي يرضى عنه ربك وترضى عنه نفسك ويرضى عنه كل مخلوق بين الأرض والسماء !!

    نجاحك فيها قرين خشوعك لقانونها المحكم، وسعادتك ثمرة نضيدة تجتنيها من شجرة كدحك وسعيك فيها، وفلاحك في طاعتك لسلطان الحق الساري في أوصالها، وفرحتك ساعة تأتلف معها، وتعزف أناشيد السعادة كل صباح من الطيور الشادية والأمواج العاتية والسحب الهامية والرياح السافية، وأنسك فيها حين تمرح بعينيك في لألأة نجومها، وسطوع قمرها، وسكون ليلها !!

    احكم إيقاعك مع موسيقاها لتستمتع بمعزوفة رقيقة تذيقك طعم السعادة وتنقلك من كدر الأرض إلى صفو السماء، ومن ألم الأثقال المحملة على الكواهل إلى راحة وطمأنينة تمسح عنك التعب وتحط عنك العناء وتهبك سعادة أبدية لا تزول !!

      كذب على الحياة هو عينه تكذيب لله وتكذيب للحق والخير والجمال، بل هو مروق وفجور يستتبعه لعنة حاضرة لا تغيب، وعذاب أليم لا ينتهي، ومقت عظيم لا يرفع !!

     * العصفور المزقزق على شجرتك، يناديك لتحيي معه الصباح وتمرح في نهاره الغض الطهور، * والوردة الراقصة على غصنها الأملد تغازلك وتلين لك أعطافها لتنتشق من عبيرها أرجا يمنحك سعادة لا تمنح مثلها كنوز المناجم ودرر البحار، * والسحابة المتهادية في فلك السماء تظللك بظلها لتلبسك من نداها بردة أنس وهناء، وتمنحك طمأنينة أبدية ترفعك إلى جنات الخلود !!

     فصادق النجم، واخِ الليل، وصاهر البحر، وصاحب النهار !!

     كن صديقا مخلصا للطبيعة الغضة الناعسة حين تستيقظ من نومها لتبث في الكون تحية تغمرها قُبَلٌ، وتمزجها همسات، وتحفها بسمات !!

      هناك آفات وهوام وحشرات تستيقظ بالليل وتنام بالنهار، إنها عدوة الجمال وظهيرة القبح فخاصمها، ولا تدع ظلامها ينكت فيك نكته السوداء فتستدبر الخير وتستقدم الشر، ثم تكون من الحياة في علة حاضرة أو في داء وبيئ، فيحل عليك مقت الله وانتقامه، ثم تكون مهبطا للأزمات والنكبات !!

     حياتك مسرح كبير تمثل قصتك فيه على خشبته، فكن عونا للأقدار كي تكون الأقدار عونا لك، ولا تكذب سنن الله ولا تداجيها ولا تماريها فإنها واعية، لها عقل أدق من عقلك، ولها حس أرهف من حسك، وهي عاشقة لك متى أحببتها وصادقتها واصطلحت مع قوانينها، وهي عدوك الظافر، وشانئك القاهر، متى خاصمتها وظاهرت عليها، وكذبتها وسخرت منها !!

     كن عدو نفسك وشيطانك إذا غررا بك وخدعاك وحاولا إقناعك بالنوم والراحة، ثم استجداء الحياة وتكففها، فالحياة سخية لمن احترمها وحفظ عهدها، وبر قسمها، وشحيحة قاسية على من اخترم نظامها، وخالف عهدها، وكذب وعدها !!

    ستنبت لك بذرتك التي استودعتها تربتها ورويتها وتركتها ترتضع من شمسها وتنتشق من هوائها وتمرح في ليلها ونهارها، وستعطيك منها ما يقيم حياتك ويرفه عيشك ويريح بالك، لكنها لن تجود عليك بقشرة من ثمرة ولا بنواة من تمرة إن أنت قعدت في ظل غرورك وانتظرت رفدها وعطاءها !!

ستجود عليك بأضعاف ما ستعطيها، وستمنحك سمنها وعسلها متى صدقتها وصببت في تربتها حبات عرق من جبينك، أو استودعتها آهة من آلامك، أو استرعيتها أنة من آهاتك !!
 
وعام هجري ١٤٤٤ ومابعده  سعيد بالقرب من مولانا الرحيم ورسولنا الكريم  صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة الغالية وعلى  جميع بني البشر 
سائلكم الدعاء وباذله دائما لكم