مناقشة ديوان (دفتر العقل) للشاعر أحمد فضل شبلول "بالأعلى للثقافة"

الإثنين 25 مارس 2024 -12:43

جانب من الندوة

امير بكير

   تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلانى؛ وزيرة الثقافة، والدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، عقد المجلس الأعلى للثقافة ندوة لمناقشة ديوان (دفتر العقل) للشاعر أحمد فضل شبلول، الحاصل على منحة تفرغ من المجلس الأعلى للثقافة لمدة أربعة أعوام، ونظمتها الإدارة المركزية للشؤون الأدبية والمسابقات، برئاسة الدكتورة إيمان نجم التى أدارت الأمسية، وناقش الديوان الشاعر الكبير أحمد سويلم؛ عضو لجنة الشعر بالمجلس، والدكتور عايدى جمعة؛ أستاذ النقد الأدبي جامعة أكتوبر، والجدير بالذكر أنه سيتم إعادة بث تسجيًلا مصورًا للأمسية بواسطة حسابات المجلس الأعلى للثقافة على موقعى فيسبوك ويوتيوب.
أفتتحت الدكتورة إيمان الحديث بتقديم شكرها للدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة على رعايتها لمختلف الفعاليات الثقافية المتتابعة التى تطلقها وزارة الثقافة خلال شهر رمضان المبارك، وبشكل خاص فى المجلس الأعلى للثقافة، كما قدمت شكرها للدكتور هشام عزمى؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة والأستاذ وائل حسين رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان الثقافية بالمجلس، وسائر القائمين على هذه الفاعلية وغيرها من فعاليات ثقافية مهمة بالمجلس الأعلى للثقافة، والحضور أجمع الذين تكبدوا مشقة الحضور تقديرًا للثقافة والمعرفة، ثم مررت الكلمة إلى الشاعر أحمد فضل شبلول الذى تحدث قائلًا: "نتحدث اليوم حول أحدث كتاباتى أو إصداراتى، وهو ديوان بعنوان (دفتر العقل)، وهذا الديوان كان نتاجًا لفترة عزلة وباء كورونا، أتذكر الليلة الأولى عندما أعلن تطبيق العزل في العالم كله، سرت فى شوارع مدينة الإسكندرية التى أعيش فيها، ولم أجد شىء سوى الخلاء التام، فقط كان البحر أمامى تتلاحق أمواجه المتلاطمة؛ فشعرت بالخوف وتذكرت الخلاء الذى تحدث عنه نجيب محفوظ فى (أولاد حارتنا) و(الحرافيش)؛ رجعت سريعًا للبيت يتملكنى الخوف، وبدأت أستغرق فى وضع الإنسان فى هذا الخلاء"، وتابع مستطردًا: "استثمرت فترة العزل المصاحبة لهذا الوباء فى قراءة عدة كتب لم أكن أتصور أن أقرأها فى تلك الفترة، مثل (الفتوحات المكية) لابن عربى، و(المثنوى) لجلال الدين الرومى وكل أعمال نجيب محفوظ، وتابع مستطردًا: "قدمت فى مشروع التفرغ خمسة وخمسين قصيدة، وهذا الديوان يعتبر جزء من هذا المشروع، أما الجزء الأخر سينشر فى ديوان اخترت له عنوان (أمواج ضالة)، ففى تلك الليلة التى سرت فيها وحدى على البحر مستشعرًا الخوف، تساءلت كيف يمكن لهذا الفيروس أن يتحكم فى إيقاعات العالم بتلك الصورة! ثم استلهمت من مشهد البحر تلك الليلة المرعبة هذا العنوان للجزء التالى، وفى نفس الوقت كنت أقرأ كتاب مهم جدًا وهو بعنوان (مستقبل العقل) وهو من أهم الكتب فى سلسلة عالم المعرفة، ومؤلفه يابانى الأصل أمريكى الجنسية اسمه ميشيو كاكو، وترجمه للعربية سعد الدين خرفان ونشرته سلسلة عالم المعرفة التابعة للمجلس الوطنى للآداب والفنون بالكويت، وهذا الكتاب له كذلك أثر أخر فى رواية أخرى لى بعنوان (حجر العاشق)، ولكن قد برز العقل  أكثر فى هذا الديوان؛ ولذلك اخترت عنوان (دفتر العقل) لمشروع التفرغ ولهذا الديوان"، وفى مختتم كلمته ألقى الشاعر أحمد فضل شبلول من أشعاره قائلًا: "سأقرأ القصيدة الأولى بعنوان (الوعى المدفون):
سأسلط إشعاعًا ضوئيًا داخل عقلك..
كى أعرف أفكارك مذهبك هُويتك ووجهتك..
وماذا تختارين؟ تحبين؟
كيف تنامين؟ بما تهتمين؟
هل أنت أسيرةُ جغرافيا أم تاريخٍ أم دين؟
إلي آخر القصيدة  
فيما تحدث الشاعر الكبير أحمد سويلم قائلًا: "يذكرنى هذا الديوان بحوارٍ قديم جرى بينى وبين الصديق المبدع نهاد شريف رائد أدب الخيال العلمى، وكان قد قرأ بعضا من أشعارى، واستخرج منها بعضًا من هذا الخيال العلمى، وقد جرى الحوار حول إمكانية الشعر لحمل والتعبير بوسائل وأدوات هذا الخيال، وهو يعتقد أن الشعر يستطيع لو كان لدى الشاعر معرفة بهذه الوسائل والأدوات، وبصراحة كنت حذرًا فى تصديق ذلك، خشية أن يفقد الشعر جمال اللغة وخيال الصور ومخاطبة الإحساس الإنسانى، لكن يبدو أن نهاد شريف كان على حق فى رأيه؛ فهذا أحمد فضل شبلول يقدم لنا تلك المعادلة الصعبة، التى مزجت العلم والتكنولوجيا بخيال الشاعر، وأظن أن شبلول قد غرق منذ سنوات فى الحالة الرقمية، حتى صارت بين يديه لينة متاحة، واستجاب عقله إليها لنجد صدى هذه العلاقة فى كثير من أعماله وآراءه النقدية، والديوان الذى بين أيدينا يقدم مناظرة بين العقل والشعر، وهى مناظرة بين طرفين يبدوان متناقضين؛ لكنهما فى الحقيقة يتمتعان بالملاطفة والتقارب من أجل نتيجة أخيرة تؤكد التقارب حتى المزج والتماهى، نحن هنا ندرك من أول لحظة أننا أمام شاعر يفكر ويبدع بأسلوب الحاسوب، ويسوق المصطلحات فى قصائده طيعة معبرة بلا صعوبة، ولا يشعر القارئ بالغربة وهو يأخذه ليعرفه على هذا العالم ببساطةٍ وفنٍ معًا، إن عنوان الديوان هو (دفتر العقل) وليس دفتر الشاعر أو دفتر القلب، أى إنه عنوان يبدو أنه ينزع الشعر من منبعه المألوف ويبقيه في كُثب العقل والفكر. يدعو القارئ إلى أن يتحرر من كل الموروثات الفنية التى تعتمد الخيال الجامح ويطلق ذاته بلا قيود، ويقول الشاعر:
من حقك أن تصبح حرًا.. وتكون غنيًا وثريًا فى أفكارك..
فى كلماتك..
أطلق ذاتك..
من مخبئها..
من مجمرها..
من مبكاها..
أخرجها للشمس وللبحر وللحرية..
حرر عقلك من ظلمات التاريخ..
طهره من كل المعتقدات العبثية!".
ثم تابع أحمد سويلم حديثه، وقال فى مختتم كلمته؛ "هاهو يُجسد تلك العلاقة بين عقله وحاسوبه، وكيف صار مسيطرًا على أفكاره، يسرقها ويهدده ويتغلغل في أعصابه، وهو هنا لا يشكو الحاسوب بقدر ما يصور لنا عمق هذه العلاقة وخطورتها؛ يقول:
حاسوبى يقرأ عقلى..
ويبرمجرمنى..
يسرقُ أفكارى..
ويهددنى..
يتغلغل داخل أعصابى..
ويشتتنى..

ثم يقول:
حاسوبى حولنى برموزٍ أو شفرات..
أدخلنى فى دوامات اللوغاريتمات..
حاسوبي أصبح لصًا للمعلومات..
ولأن تلك العلاقة لا مكان فيها للأحاسيس والمشاعر، حتى إن الذكاء الاصطناعى الذى هو نتيجة لتلك العلاقة، مازال يعجز عن تخطى هذا الجسر الشائك إلى كتابة الشعر أو التعبير عن المشاعر، أقول إن شبلول يرصد جوهر هذه العلاقة، ويجرد حبيبته من تلك العاطفة الإنسانية، ويعرى حقيقة الجسد بعيدًا عن جمال المشاعر حين يقول: أنت سجينة جسدك..
أهوائك..
وجمالك..
لكن دماغك يتحرر من أفعالك..
قدماك تضيعانِ على الطرقات..
وجمالك يدوى عند اللمسات..
ثم يقول:
سأزرع فى قشرات دماغك أفكارًا..
أحلامًا..
كلمات..
لتعود الروح إلى جسدك..
ويعود جمالك يعبر فى الزمكان..
ويعود الوعى إلى الإنسان..
وقد يظن القارئ أنه يزرع الأحلام والكلمات الشاعرية إلى جانب الأفكار، لكنه هنا لا يعترف بذلك؛ فأحلامه مبرمجة وكلماته كذلك، تمامًا كما أفكاره المبرمجة. ولنا أن نلاحظ دقة هذه الرؤية حين يقول:
ويعود جمالك يعبق فى الزمكان.. ويعود الوعى إلى الإنسان..
فهى مصطلحات بعيدة تمامًا عن العاطفة الإنسانية".




ختامًا تحدث الدكتور عيادى قائلًا: "حقيقة إن المعجم الشعرى فى هذا الديوان وحقوله الدلالية، تلفت النظر إلى أنه مثلما قال أستاذنا الشاعر الكبير أحمد سويلم، وجود الكثير من المفردات المعبرة عن عالم التقنية وعالم الإنترنت وهذه العوالم، بما يجعلنا نشعر بعملية استلاب كبرى للذات الشاعرة، وكأنها ذات مستلبة أمام الآلة، وهي مشكلة خطيرة جدًا يواجهها إنسان هذا العصر، كيف يتخلص إنسان هذا العصر من الاستلاب أو التشيؤ الذى أصبح الإنسان فيه شيئًا أمام هذه الآلات التى أخذت روحه وسيطرت عليه وأصبحت تعطيه الملفات وتعطيه خريطة خطوات حياته"،وتابع مستطردًا: "سنجد أن الرحلة فى هذا الديوان فى الغالب هى رحلة للداخل وليست إلى الخارج، فإن الذات الشاعرة تقوم برحلتها الذاتية إلى الداخل، وتعبر عن فصوص المخ الفص الأيمن والفص الأيسر، وتتفاعل هذه الخلايا مع إيقاع العالم، من هنا فإن الرحلة إلى الداخل موجودة بقوة؛ سنجد أن عنوان الديوان (دفتر العقل) يعنى الشاعر القائم على العقل، من هنا كانت هناك حالة من حالات التقشف البلاغى، بمعنى أن الصور البلاغية مليئة باللغة لا تُكذب نفسها؛ لذلك نلحظ أن العلاقات بين المفردات تقع فى المنطقة العقلية المأمونة لكى يستطيع القارئ أن يفهمها بسهولة، ليست مثل اللغة عند أدونيس مثلًا، ليس هناك تفكير عميق فى مفردات اللغة، ليس هناك عوالم لغوية خفية، وإنما هناك رحلة إلى الداخل والكل يعرفها، نحن نعرفها لأننا نعيشها؛ لأننا جميعًا نعيش عملية استلاب كبرى، ولا شك أن إنسان هذا العصر أصبح يعيشها، وكأن الأستاذ أحمد فضل شبلول أراد أن يعبر عن صوت اللحظة الراهنة، وهى صوت هذا الاستلاب الكبير أمام هذا العالم الافتراضى، رغم هذا الاستلاب الكبير سنجد حضورًا قويًا جدا للتراث مع مفردات العصر، سنجد حضورًا للمتنبى فى إشارات ضوئية، الحجرة حينما تكون مظلمة الإنسان لا يرى فيها شيئا، ولكننا إذا جاء التيار سنرى المكان وسنعرف أبعاده،     وفى مختتم كلمته قال الدكتور عايدى جمعة: "كذلك أيضًا نحن نعرف أن أحمد فضل شبلول يكتب الرواية لذلك نجد بعض قصائده تتحول إلى قصيدة سردية، نجد التفاعل الكبير بين بنية الشاعر بما لديه من استعارة خاطفة وانتقالات مكانية وصور خيالية، وبين بنية السرد بما فى ذلك من بداية ووسط ونهاية وشخصيات وعقدة وحل ومشاكل .