ألبانيا بقعة لا تُرَى على الخريطة السياسية لكثير من بنى البشر في أوروبا . تعد ألبانيا من أفقر البلدان منذ انهيار النظام الاشتراكى ، وفي عام 1991 هيمن على البلد تفشى عدم المساواة والبطالة المرتفعة . تقع ألبانيا على الساحل الغربى من شبه جزيرة البلقان المطل على مدخل البحر الأدرياتيكى والذى يفصلها عن إيطاليا ، عاصمتها تيرانا ومساحتها 28.748 كيلو متر مربع وهى جزء من ألبانيا الكبرى التي تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 62.500 كيلو متر مربع وكان شعبها منذ فترة زمنية مضطهدا تثقل كاهله النظم الرجعية القاتلة ، وهذه الدولة كان شعبها يكره العمل أشد ما يكره ويحب الكسل ويقضى وقته في الحانات والمقاهى ، أما الآن فقد أصبح الوقت لا يكفيه للعمل ، فهو يفتت الصخر ويستصلح الجبال ، ويشق باطن الأرض ، وألبانيا في الماضى كانت من أكثر بلدان أوربا تخلفا ؛ تنتشر فيها الأمية والفقر وأمراض الملاريا وأنواع الأمراض مجتمعةً ، كما كانت مرتعا للإقطاعيين والبرجوازيين والمستعمرين ، لكنها أصبحت منذ وقت قريب ذات صناعة وزراعة متقدمتين وذات تعليم وثقافة جماعية ، مندفعةً نحو إتمام بناء المجتمع على أسس سليمة وتحسين أحوال الشعب من يوم لآخر ، وعلى الرغم من أن دولة ألبانيا وُجِدَت صغيرة الحجم ، إلا أنها تحظى بظروف طبيعية ممتازة ومتنوعة من الناحيتين الجيولوجية والجغرافية ، وتتمتع بألوان التغير في الطقس ، كما ترتبط الثروات التي فوق أرضها والتى في جوفها ارتباطا وثيقا بهذا التنوع الجيولوجى والجغرافى ، وهى فى عمومها بلد جبلية ترتفع نحو 714 مترا فوق سطح البحر ، ويعتبر الشعب الألبانى من أقدم الشعوب في شبه جزيرة البلقان وقد نزح أجداده إلى مدينة ( ألبانوبوليس ) التى كانت تقع شرق دروس الحالية في منتصف كرويا ، كما بلغ هؤلاء الأجداد شأوا بعيدا في التقدم خلال الألف سنة التي سبقت عصر المسيح ، فكانوا يمارسون التنقيب عن المعادن ويستخدمون الحديد والفضة والبرونز ويشيدون السفن ويمارسون التجارة مع مختلف بلاد البحر الأبيض المتوسط وكل البلاد التي كانت معروفة في العصور القديمة ، وقد استقر الغزاة اليونانيون على طول الشواطى البحرية لألبانيا خلال القرن الثامن قبل الميلاد ، ولعبوا دورا هاما في تاريخ هذه المناطق ، ثم بدأ الرومان في غزو البلاد سنة 167 قبل الميلاد ، واستقر الأمر لهم تحت إمرة الإمبراطور أوغسطس في سنة 35 ق.م ، وهاجر إليها بعض قبائل السلاف في القرن الخامس بعد الميلاد ثم حكمها البيزنطيون سنين طويلة ، وأنشأوا فيها الإقطاعيات ، وفى سنة 1180 تكاتف ولاة الإقطاعيات الألبانيون ، وانسلخوا من حكم بيزنطة وأسسوا أول دولة لهم هي أيبريا وكانت كرويا عاصمة هذه الدولة الجديدة بينما بقى الجزء الأكبر من ألبانيا تحت حكم الملك إبيروس ملك صقلية وظل حكم الإقطاع سائدا طوال القرون الثانى عشر إلى الرابع عشر ، وكانت هذه الإقطاعيات تحارب بعضها البعض ما جعل العثمانيين ينتهزون فرصة الصراع بين الإقطاعيات وضعف الإمبراطورية البيزنطية وبدأوا غزو ألبانيا حتى استولوا على أراضيها ، وقاوم الألبانيون الأتراك وأخذت حرب الشعب الألبانى من أجل الحرية طابعا جديدا في الفترة ما بين 1878 وسنة 1881 وذلك بعد أن قامت الدول الكبرى في معاهدة سانت ستيفن في 3 مارس من عام 1878 بسلخ أجزاء حيوية من الأراضى الألبانية وضمها إلى بلغاريا وصربيا والجبل الأسود ، وقد دفعت نصوص هذه المعاهدة الألبانيين إلى رفع سلاحهم واتخذت الحرب ضد الأتراك في هذه المرة طابعا وطنيا ليس ضد الأتراك وحدهم كغزاة ، بل ضد الدول الكبرى التي أرادت أن تساهم في تمزيق وحدة ألبانيا وتوزيع أراضيها على جاراتها من دول البلقان ، ونتيجة للمعركة التي خاضها الألبانيون من أجل الحرية تم إعلان استقلالها في مدينة فاورا في 28 نوفمبر من تلك السنة ، وانتزع الألبانيون اعتراف الدول الكبرى باستقلال ألبانيا عندما اجتمع ممثلوها في لندن في ديسمبر 1912 ، ولم يكتفِ الألبانيون بذلك بل أرغموا الدول الكبرى في عام 1913 أن يعيدوا حدودها إلى ما كانت عليه قبل التمزيق ، بل وضموا إليها كل الأراضى التي كان يقطنها ألبانيون ، وهذه بمثابة نقطة مضيئة حينما يقرر الشعب الاحتفاظ بوحدة وسلامة أراضيه التى نبتت فيها الثقافات نتيجة التاريخ الطويل ، فتنوعت الثقافة في ألبانيا ، والثقافة في المجتمعات هي عصارة روح المجتمع وذوب فكره ووجدانه ، والثقافة ضرورية بشكل ما في وحدة الإنسانية ضمن التنوع في غير معناها البيولوجى فالإنسان جوهريا كائن ثقافى ، والاكتشافات الأثرية في ألبانيا تبين لنا أن الشعب الألبانى صاحب تقاليد عريقة وراسخة منذ القدم ، وقد تركت معظم الثقافات الألبانية القديمة بصماتها وآثارها على الأرض حتى اليوم ، وتحدثنا الوثائق القليلة التى أفلتت من التدمير الشامل التى عانته ألبانيا في تاريخها عن بعض العلماء والفنانين الذين واصلوا إنتاجهم على الرغم مما كان يحيط بهم من أسباب تبعث عن اليأس والإستكانة ، ونذكر منهم الموسيقى جان كوكوزيلى من مدينة دورس في القرنين الثانى عشر والثالث عشر ، والعالم دافيد ديتيفار الذى كان يلقى دروسا في فينيسيا في القرن الرابع عشر ، والفنان النحات راجوز ( دوبروفنيك ) في القرن الرابع عشر ، والعالم جورج من مدينة دورس والذى كان يلقى دروسه في مدرسة فينيسيا أيضا تقريبا سنة 1409 ، ويقف الشعب الألبانى بين الشعوب المجاورة وغير المجاورة متميزا ومتماسكا ومتماسكا بالوحدة ، لا بسبب احتفاظه بلغته ولا بملامح جنسه ، ولكن بالعزم والتصميم على بلوغ المجد في فترة وجيزة ، وقد امتلأت مؤلفات الكتاب اليونانيين والرومانيين القدامى بأوصاف المشغولات الشعبية الألبانية ، كما وردت هذه الأوصاف في الدوريات البيزنطية وأنواع الدليل السنوية للتجارة والسياسة وغيرها ، وإذا كان حديثنا عن الثقافة من منطلق أنها روح الأمة ، فالإعلام يمثل أداة خطيرة ، وأثرها لا يكاد يخفى ولا ينكر ؛ ولذا لم تكن وليدة عصر من العصور ، بل استخدمت تقريبا منذ كان الإنسان ، كما أنه لم يعد اليوم بذلك الحجم من الوسائل التقليدية المعروفة ولا بالمجموعة والمضمون الذى عهدته المجتمعات فى السابق ، بل هناك ثورة واسعة بسبب وسائل الإعلام والتحولات العميقة التي انسحبت على الوسيلة الإعلامية والمضامين أو الرسالة التى تحملها وتضخها ، والإعلام لم يعد قاصرا على إشباع الاهتمامات وغرس المعلومات ، وإنما تحول إلي صناعة الاهتمامات وإعادة التشكيل الثقافي للإنسان من خلال الأوعية الإعلامية المختلفة والتقنيات المتطورة والتي عجز الإنسان أمام سطوتها عن متابعة ما تقدم والإحاطة به ولو في حدود حاجته واهتماماته ؛ فالقنوات الفضائية باعتبارها وسيلة العصر هي سلاح ذو حدين ، وذخيرته الأساسية في الحقيقة هي المعلومات وليس الانحراف الأخلاقى الذى ينبذه المجتمع ، وما يحدث في قناة زيارتى تى في يعتبر نموذجا يجب الوقوف عنده ؛ فهو يتخلى عن هدف الفضائيات الإعلامية في تقديم إعلام بناء هادف ولكن محطة زيارتى تي في " الألبانية " والتي يملكها عصمت دريشتي ، يعمد إلى جذب المشاهدين ليس من خلال المصداقية الإعلامية و التحليلات الإخبارية الجادة ولا المعلومات الدقيقة والأرقام السليمة عن مستويات الإنتاج ولكن من خلال سياسة إعلامية تبدو غريبة علينا ، ولكنها وجهة نظر لها ما يبررها - من وجهة نظر القائمين على القناة - حيث إنهم يعتمدون على ظهور مذيعات شبه عاريات لتقديم نشرات الأخبار ، يقول مالك المحطة : " ألبانيا حيث الإخبار يتلاعب بها المسؤولون السياسيون ، وهذا ليس غريبا علينا ؛ إذن يحتاج المشاهد إلى محطة تنجيه من هذا التلاعب وتقدم له الأخبار كما هي عارية "مشددا على أن عمل القناة ليس له أهداف جنسية ، مؤكدا على أن مشاهدى محطته في تزايد مستمر ! واعتبر اتحاد الصحافيين الألبان أن العري " لا يمكن أن يحل مشكلة وسائل الإعلام " وهى وجهة نظر ! وقد اعتبر البعض أن هذه القناة تجذب المشاهدين من خلال سياسة إعلامية خادشة للحياء العام ؛ حيث ترتكز على تقديم مذيعات شبه عاريات من أجل تقديم نشرات الأخبار وذلك بسبب ما تقول أنها احتدام في سوق الإعلام ، ويؤكد مسؤولون في المحطة أنها تسعى إلى بث الأخبار بهذه الطريقة باللغتين الإنجليزية والفرنسية كذلك في المستقبل القريب وفى تصريح لمذيعة القناة " غريتا هوشاي " البالغة من العمر 24 عاما قالت : إنها عملت لمدة خمس سنوات في محطة محلية ، ولم يكن يعرفها أحد ، بعكس الآن فهي أصبحت نجمة في ألبانيا في ظرف ثلاثة أشهر ، وقد رفضت الغالبية العظمى في المجتمع الألبانى هذه التصرفات غير الأخلاقية ، من جهة أخرى ترد المذيعة غريتا على هذه الانتقادات بأنها لا تؤثر عليها ، وأن لديها الشجاعة لما تقوم به حتى أصبحت نجمة مشهورة ، وفى ذات الوقت لم تصدر عن المنظمات المعنية بحقوق المرأة أي تعليق على هذه القضية ، أما الصحافيون في ألبانيا فلم يهتموا كثيرا بالموضوع كما لو أن الأمر كان عاديا ، وعاب عدد من الطلاب في كلية الإعلام بجامعة تيرانا هذا التصرف قائلين : إنه من المؤسف أن يتحدث المشاهدون عن أجساد المذيعات دون الاهتمام بنوعية الأخبار ، ومع غرابة الفعل إلا أن هؤلاء قد يكونون سطروا اسمهم فى التاريخ الإعلامى وشهرته كرمز للسخافة والخرق ، وإلا فما الدافع لهذه الفعلة وهذا الإسلوب والأداء المشين إلا الحرص الشديد على بلوغ المجد والشهرة بقدر ما يسئ للاخرين ! فمنصة الإعلام أصبحت الشهرة فيها إما بالنفاق أو بقدر ما تتعرى وتتكشف المرأة وتبدى من جسمها ومكنونها ، إنهم مشاهير الحمق والفلس فى زماننا هذا ، هم وباء وشر وفتنة ذلك أن كثيرا من أبنائنا وبناتنا بل ومن بعض الكهول الذين بلا عقول ، قد تأثروا بهم ويتابعون جديدهم ، بل قد اتخذوا منهم قدوات المقدمة .
هذا هو البلد الذى لا يعرف عنه العرب الكثير ، سوى أنه مسقط رأس محمد على باشا باني مصر الحديثة ، والشيخ محمد ناصر الدين الألبانى الذى توفى في المملكة العربية السعودية .
سعيد إبراهيم
Email: saeedibrahimmohamed@yahoo.com